
يعمل ضعف اليورو على إحداث مزيد من الألم للاقتصاد الذي يتعامل بالفعل مع معدلات تضخم مرتفعة، كما أن الأخبار السيئة هي أن تراجع العملة الموحدة قد لا يتوقف عند هذا الحد.
انخفض اليورو بشكل حاد مقابل الدولار منذ أن غزت روسيا أوكرانيا في فبراير، وهبط إلى ما دون مستوى التكافؤ مع الدولار الأمريكي في الشهر الماضي، حيث يتزايد قلق المستثمرين من ركود محتمل في أوروبا في ظل أسعار الغاز والكهرباء القياسية وعدم اليقين بشأن إمدادات الغاز الروسي.
أغلق زوج اليورو / الدولار الأمريكي تداولات يوم الثلاثاء (23 أغسطس) عند 0.9899 دولار وهو الأدني في أكثر من عقدين، على ما يبدو أن التراجع الحالي سريع، قبل أن تخوض روسيا حربًا ضد أوكرانيا كان اليورو الواحد يساوي 1.15 دولار.
لماذا ينخفض اليورو؟
تؤثر التوقعات المتدهورة على نطاق واسع في أوروبا على العملة الموحدة وسط ارتفاع أسعار تداول الغاز والمخاوف المتزايدة بشأن قيام روسيا بقطع إمدادات الغاز، وقد أثار الاعتماد المفرط على الغاز الروسي في الاقتصادات الكبرى مثل ألمانيا وإيطاليا قلق المستثمرين حيث توقع الاقتصاديون حدوث ركود أسرع وأكثر إيلاما في منطقة اليورو منه في الولايات المتحدة.
بالإضافة إلى ذلك، هناك اختلافات في مستويات أسعار الفائدة في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو، حيث كان البنك الاحتياطي الفيدرالي أكثر جرأة في رفع أسعار الفائدة لمكافحة التضخم مقارنة بالبنك الأوروبي، وعلى الرغم من أن البنك المركزي الأوروبي كان من المفترض أن يرفع سعر الفائدة بواقع 25 نقطة أساس إلا إنه قام برفعه بواقع 50 نقطة أساس.
كما عاني اليورو من جاذبية الدولار الذي عمل كملاذ آمن وسط التشاؤم وعدم اليقين في الاقتصاد العالمي، حيث يشعر المستثمرون بالراحة في الأمان النسبي الذي يوفره الدولار الأمريكي مع تعرض أقل لبعض المخاطر العالمية الرئيسية.
كيف يؤثر ضعف اليورو على المستهلكين؟
سيؤدي انخفاض اليورو إلى زيادة العبء على الأسر والشركات الأوروبية التي تضررت بالفعل من التضخم المرتفع القياسي، حيث إن ضعف العملة سيجعل الواردات المقومة بالدولار في الغالب أكثر تكلفة، فعندما تكون المواد الخام أو المنتجات الوسيطة تكاليفها المرتفعة من الممكن أن تؤدي إلى زيادة الأسعار المحلية.
في الأوقات العادية، يُنظر إلى العملة الأضعف على أنها أخبار جيدة للمصدرين والاقتصادات ذات الصادرات الثقيلة مثل ألمانيا، حيث إنها تعزز الصادرات عن طريق خفض الأسعار بالدولار، لكن هذه ليست أوقاتًا طبيعية بسبب الأزمة في سلاسل التوريد العالمية والعقوبات والحرب في أوكرانيا، فمع التوترات الجيوسياسية الحالية من المعتقد أن يؤدي ضعف العملة إلى نتائج جيدة أكثر من كونها سيئة.
لكن بالنسبة للمسافرين الأمريكيين إلى أوروبا فإن ضعف اليورو أمر جيد، حيث ستكون فإن دولاراتهم أكثر قيمة، بالنسبة للشركات التي تستورد البضائع الأوروبية ستكون الأشياء أرخص بالدولار.
البنك المركزي الأوروبي رفع أسعار الفائدة لأول مرة منذ 11 عامًا
في 21 يوليو أعلن البنك المركزي الأوروبي عن رفع سعر الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس بعد اجتماع السياسة النقدية، هذه هي المرة الأولى التي يرفع فيها البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة منذ عام 2011 أو قبل 11 عامًا.
كان هناك نقاش حاد في السوق حول ما إذا كان البنك المركزي الأوروبي سيرفع أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس أو 50 نقطة أساس، لأنه على الرغم من أن الزيادات الحادة في أسعار الفائدة يمكن أن تحد من التضخم المرتفع في أوروبا إلا أنها قد تضع قيودًا على النمو الاقتصادي، في الوقت الحاضر لدي الاقتصاد الأوروبي مخاطر هبوطية، حيث تواجه أوروبا تحديات متعددة مثل ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء والآفاق الاقتصادية العالمية غير المؤكدة، ذكر تقرير التوقعات الاقتصادية الصادر عن المفوضية الأوروبية أن الاتحاد الأوروبي حافظ على توقعاته للنمو الاقتصادي لهذا العام لكنه خفض توقعاته للنمو للعام المقبل.
ويتوقع التقرير أن يبلغ معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي للاتحاد الأوروبي 2.7% في عام 2024 و 1.5% في عام 2024، وسينمو اقتصاد منطقة اليورو بنسبة 2.6% في عام 2024 ويتباطأ إلى 1.4% في عام 2024.
التضخم المرتفع هو المشكلة الرئيسية للاقتصاد الأوروبي
التضخم المرتفع هو المشكلة الأساسية التي تواجه الاقتصاد الأوروبي في الوقت الحالي، وهو أيضًا السبب المباشر لتحول سياسة البنك المركزي الأوروبي، منذ عام 2024 وبسبب عدم التوافق بين العرض والطلب في عملية التعافي الاقتصادي العالمي ارتفع معدل التضخم في منطقة اليورو إلى 5% في نهاية العام الماضي.
ومنذ اندلاع الصراع الجيوسياسي في أوروبا أصبحت سلسلة التوريد العالمية أكثر توتراً، وشهدت القارة التي تعتمد بشكل كبير على الواردات للطاقة والغذاء صدمات أسعار أكثر حدة، فمن شهر فبراير إلى يونيو من هذا العام ارتفع معدل التضخم في منطقة اليورو من 5.1% إلى 8.6% محطمًا الرقم القياسي بشكل مستمر.
ارتفعت أسعار الطاقة على أساس سنوي من 31.7% إلى 41.9%، وعلى الرغم من أن معدل التضخم الإجمالي الحالي في منطقة اليورو أقل قليلاً من مثيله في الولايات المتحدة، إلا أن معدل التضخم لما يقرب من 10 دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي قد تجاوز 10% وتجاوز في دول البلطيق مثل إستونيا وليتوانيا 20%.
يواجه التعافي الاقتصادي الأوروبي ضغوضا متعددة، فمن حيث الاستهلاك أدى التضخم المرتفع إلى زيادة تكاليف معيشة الناس، كما أدى إلى تآكل القيمة الحقيقية لمدخرات الأسرة مما أجبرهم على ضغط النفقات الاستهلاكية المختلفة، وانخفض مؤشر ثقة المستهلك النهائي في منطقة اليورو إلى -23.6 في يونيو وهو أدنى مستوى منذ أبريل 2024.
ومن منظور الاستثمار أدى التضخم المرتفع إلى رفع تكلفة الإنتاج للمؤسسات، مما أدى إلى اضطرار العديد من الشركات إلى خفض الإنتاج أو إيقافه، وتراجع مؤشر مديري المشتريات التصنيعي في منطقة اليورو إلى 52.1 في يونيو وهو أدنى مستوى منذ أغسطس 2024، ومن منظور الأسواق المالية الدولية انتشرت الآثار السلبية غير المباشرة للدولار القوي والسياسة النقدية الأمريكية الصارمة إلى أوروبا.
استجابة للمأزق الاقتصادي الحالي، فيما يتعلق بالسياسة النقدية أنهى البنك المركزي الأوروبي مشتريات صافي الأصول في 1 يوليو بالإضافة إلي رفع سعر الفائدة، ووقال إنه يتوقع رفع أخر في اجتماع سبتمبر، إذا استمر التضخم أو تدهور على المدى المتوسط فسيتم رفع سعر الفائدة بشكل مناسب، ولكن في الوقت نفسه، تجدر الإشارة إلى أن تشديد السياسة النقدية قد يؤدي أيضًا إلى كبح النمو الاقتصادي ورفع معدلات إعادة التمويل للدول الأعضاء ذات الديون المرتفعة ومن ثم زيادة مخاطر تقلبات سوق الديون
شاهد ايضا: سعر الدولار مقابل الجنيه مصري المصري في السوق السوداء.
يعتقد بعض المحللين أنه بحلول نهاية عام 2024 ستشكل الديون الحكومية للاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو 88.1% و 95.6% من الناتج المحلي الإجمالي على التوالي متجاوزة الخط الأحمر 60%، يعتقد معظم المحللين أنه في المستقبل ستعزز الدول الأوروبية الاقتصاد من خلال إجراءات التوسع المالي.
إلى أي مدى سوف ينخفض اليورو؟
ارتفعت الرهانات على أن اليورو قد يستمر في الانخفاض إلى ما دون التكافؤ مع تفاقم أزمة الطاقة في أوروبا، ويتوقع المحللون أن تتراجع العملة الموحدة إلى مستوى 0.95 دولار مع نهاية العام، فيما يتوقع بنك الاستثمار الأمريكي مورجان ستانلي أن تنخفض العملة إلى 0.97 دولار في الربع الثالث.
في الوقت الذي يتطلع فيه الاتحاد الأوروبي إلى التخلص من النفط والغاز الروسي يسعى جاهدا لإيجاد بدائل وسط مخاوف من انقطاع التيار الكهربائي وتقنين الطاقة، وهذا ما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الطاقة.
كتب رئيس قسم أبحاث الفوركس في دويتشه بنك “جورج سارافيلوس” في مذكرة للعملاء: “إن تضخم فاتورة الطاقة المستوردة سيئ لليورو، وتوقعاتنا على المدى القصير حتى سبتمبر أن يستمر ارتفاع اليورو / الدولار الأمريكي حول مستوى التكافؤ”.
وقال: “في حين أن التأثير قصير المدى لأزمة الطاقة الحالية على زوج اليورو / الدولار الأمريكي لا يزال سلبياً، يمكن القول إن بعض المخاطر متوسطة المدى على أوروبا بعد الصيف قد تراجعت”، في إشارة إلى زيادة واردات الغاز الطبيعي المسال حيث انخفض الطلب على الغاز الطبيعي أكثر من المتوقع، وذلك مع تحول الصناعة إلى أنواع أخرى من الوقود.